الخلفية

ان التعليم هو أساس التجديد والتحول الإيجابي للمجتمع. للوصول الى مجتمعات سلمية وعادلة ومستدامة، يجب أن يتكيف التعليم باستمرار ويتناول تحديات وتعقيدات جديدة. اذ يحتاج التعليم التحول الدائم نحو الأفضل1. يبدأ تحول التعليم بإعادة التأكيد على أن التعليم منفعة عامة وما يترتب على ذلك من ضرورة لضمان الحق في التعليم الجيد للجميع2. ويشمل التحول أيضًا حماية أماكن التعلم، والأهم من ذلك ضمان أن التعليم يهيئ المتعلمين ليس فقط لهدف العمل، بل انه يقوي التضامن ويوسع المساحات للممارسات والخبرات البشرية المشتركة، ويتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق مجتمعات 

سلمية ومستدامة. وهذه الدعوة ملحة خاصة للدول التي عانت ولا تزال تعاني من أثار الحروب والصراعات.


أدت عقود من الصراعات وعلى رأسها احتلال داعش لمساحات من الأراضي ومن ضمنها مدينة الموصل التأريخية، الى اضرار كبيرة على كافة الأصعدة في العراق. فقد دمرت هذه الصراعات بشكل كبير ما كان يعتبر أحد أفضل أنظمة التعليم في المنطقة. اذا انه قبل عام 1990، كان معدل الالتحاق بالمدارس الإجمالي في العراق حوالي 100٪3 (على الرغم من أن معدل الالتحاق الإجمالي ليس مقياسًا لجودة التعليم، إلا أنه أحد المؤشرات). انخفض هذا المعدل إلى 85 ٪ في عام 1988، ثم انخفض بشكل كبير بعد ذلك. في عام 2002، كان معدل معرفة القراءة والكتابة، والذي كان أعلى بكثير في العقود السابقة، 45 ٪ و71 ٪ للنساء والرجال على التوالي ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاماً.


خلال احتلال داعش، كان ما يقدر بنحو 3 ملايين طفل خارج المدرسة في العام الدراسي 2015-2016 وتضررت 1050 مدرسة في جميع أنحاء البلاد خلال الفترة 2016-52017. أما معدل الانقطاع عن الدراسة فقد مثل الضعف للفتيات قياساً بالفتيان في كل من المرحلتين الابتدائية والإعدادية. لم تقتصر هذه التحديات على الطلبة، فقد كانت كبيرة أيضاً أمام المعلمين/ المدرسين


بالإضافة إلى التدمير المادي للمدارس، التي كانت أماكن مقدسة للتعلم والتقارب ذات يوم؛ رمت الصراعات وخصوصا احتلال داعش الى تدمير النظام بأكمله. فعلى الرغم من المقاومة التي واجهتها عصابات داعش، استطاع التنظيم لفترة قصيرة الغاء التاريخ والأدب والفن والموسيقى من المناهج الدراسية واستبدالها بمنهاج لتعليم الكراهية بدلاً من الحب، ولصنع القنابل بدلاً من القراءة والكتابة، والسعي إلى التوحيد العرقي بدلا من الاحتفال بالتنوع، واستخدام العنف بدلا من الحوار، والانعزالية بدلا من التعايش السلمي6. بالنسبة للفتيات والنساء، كان الأمر أسوأ. فقد أُجبر معظمهم على البقاء في المنزل. تكيف بعضهم مع مساعي الجماعة الأيديولوجية وتعرض بعضهم للاعتداء والبيع كعبيد.


أثرت نتائج الصراع في جميع مستويات التعليم، ابتداء من التعليم الابتدائي والثانوي، وكذلك وبشكل كبير، التعليم العالي. فإلى جانب هجرة العقول، كانت الجامعات العراقية الرائدة في قلب هذه العقود من الصراعات المستعصية. وقد استخدمت المجموعات المختلفة معظم الجامعات كقواعد لها. وإلى جانب الإغلاق القسري، وقتل أعضاء هيئة التدريس وتدمير المكتبات مثل المكتبة المركزية لجامعة الموصل7. حتى يومنا هذا، لا تزال أثار الرصاص أو بقايا الحرب موجودة بشكل واضح في الجامعات العراقية الرائدة8. البعض، مثل جامعة الموصل، عارض كل الصعاب لإعادة الافتتاح والعمل، لكن إعادة الافتتاح لا تكفي. فالجامعات بحاجة ملحة الى استعادة وضعهم السابق كمراكز امتياز للتعلم والتعايش السلمي.


لا يزال العراق يواجه تحديات كبيرة حتى عامنا الحالي (2022)، ولا تزال تتفاقم بسبب قيود الموارد والتحديات العالمية المستمرة الأخرى9. وبناءً على ذلك، يتم تهميش نظام التعليم، بل والتضحية به، من أجل قضايا أكثر «إلحاحًا». ومع ذلك، فإن التعليم مهم جداً ومُلح حاله حال الأمن – ولا يمكن أن ينتظر. وعليه فإن مستقبل العراق مرتبط بمستقبل نظامه التعليمي. ويلزم اتخاذ تدابير مختلفة لتعزيزه بحيث يوفر القدرات اللازمة لتحقيق أهداف مجتمع يتسم بالانسجام والاستقرار في تنوع ثقافاته. هذا الأمر بالغ الأهمية لضمان عدم عودة البلاد إلى الصراع في المستقبل